Перейти в канал

صمت الجروح 🥺

111
هل كانت فيها دائماً هذه الامتدادات من بيوت القرن التاسع عشر المتآكلة التي تحيط العرارض الخشبية بجوانبها, وتعلو قطع الورق المقوى نوافذها وتغطي سقوفها صفائح الحديد المطعّجة» وأسوار حدائقها متداعية سائبة في كل اتجاه؟ هل كانت فيها دائماً تلك الحفر التي أحدثها القصف حيث يزوبع الغبار في الهواء وتنمو شجيرات الصفصاف فوق أكوام الأنقاض؟ وهل كانت فيها دائماً تلك الأماكن حيث أزالت القنابل كل ما كان موجوداً على مساحات واسعة فنشأت فيها تجمّعات بائسة من مآو خشبية تشبه أقفاص الدجاج؟ لكن محاولة التذكر عبث! لم يستطع أن يتذكر شيئاً: لم يتبقٌ لديه شيىء من طفولته إلا سلسلة صور زاهية من غير أي خلفية... صورٌ غير مفهومة في أكثر الأحيان. كانت وزارة الحقيقة ‏ «وزاحق» بحسب اللغة الجديدة ‏ مختلفة اختلافاً صادماً عما حولها ضمن مرمى النظر. إنها هيكل هرمي ضخم من الإسمنت الأبيض المتلألئ يعلو مرتفعاً, طبقة بعد أخرى؛ حتى يبلغ ثلاثمئة مترِ في الجو. ومن حيث يقف ونستون» كان يمكن أن يقرأ المرء شعارات الحزب الثلاثة مكتوبة على صفحة المبنى البيضاء بأحرف بارزة: الحرب هي السّلم الحرية هي العبودية الجهل هو القوة كان في وزارة الحقيقة» على ما يُقال, ثلاثة آلاف غرفة فوق الأرضء ومثلّها تحت الأرض. إن في أنحاء لندن كلها ثلاث عمارات أخرى تماثلها مظهراً وحجماً. وكان وجود هذه العمارات يقزم المباني التي من حوها كلها تقزيماً تاماً. وكان المرء قادراً على رؤية العمارات الأربع من فوق سطح مبنى النصر. تقع في تلك المباني الأربعة مقرات الوزارات الأربع التي يتشكّل منها جهاز الدولة كله. وزارة الحقيقة التي تعنى بالأنباء والترفيه والتعليم والفنون الجميلة. ووزارة السّلم المختصّة بالحرب» ووزارة الحْبٌ التي ترعى القانون والنظام. ووزارة الوفرة المسؤولة عن الشؤون الاقتصادية. وأما أسماء هذه الوزارات في اللغة الجديدة فهي: (وزاحق؛ وزاسلم» وزاحب»ء وزافرة). كانت وزارة الحب هي الوزارة المرعبة حقاً بين هذه الوزارات كلها. وما كان فيها أي نافذة على الإطلاق. لم يدخل ونستون هذه الوزارة أبداً؛ بل حتى لم يقترب منها أكثر من نصف كيلومتر. كان الدخول إلى ذلك المكان مستحيلاً من غير مهمة رسمية؛ وذلك عبر متاهة من دروب متشابكةٍ محاطة بالأسلاك الشائكة» والأبواب الفولاذية» ومكامن الرشاشات. بل إن الشوارع المؤدية إلى حدودها الخارجية كانت مليئة بحراس كالحي الوجوه ويرتدون ملابس موحدة سوداء, ويحملون هراوات مطعمة بالحديد. استدار ونستون على نحو مفاجئ! ضع اعجاب للرواية اذا اعجبتك, تقديراً لجهودنا في الترجمة والتدقيق يتبع