201
{وعلم أيضاً بالعقل أن كل موجودين قائمين بأنفسهما فلابد بينهما من قدر مشترك : كاتفاقهما في مسمى الوجود : والقيام بالنفس : والذات ونحو ذلك : فإن نفي ذلك يفضي إلى التعطيل المحض ،
الثالث: أن لفظ التشبيه استعمل فيما بعد في غير ماوضع له حتى صار من الألفاظ المجملة التي تحتاج إلى بيان : فقد ينفي التشبيه ويراد به نفي الحق الذي وصف الله به نفسه ووصفه به
{رسوله صلى الله عليه وسلم} لذا فإن استعمال اللفظ الشرعي وهو التمثيل أولى لأنه أدل على المعنى : ولأن من طريقة أهل السنة التعبير بالألفاظ الشرعية البينة دون الألفاظ المحدثة المجملة ،
قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: " ثم إن الجهمية والمعتزلة أدرجوا نفي الصفات في مسمى التوحيد : فصار من قال إن لله علماً أو قدرة :
أو أنه يُرى في الآخرة : أو أن كلام الله منزل غير مخلوق : يقولون : إنه مشبه وليس بموحد ،
الثاني : التعطيل : تعطيل الله عن اسمائه وصفاتها أو بعضها فهو نفي صفات الله او بعضها وإنكار قيامها بذات الله ، التعطيل في أسماء الله وصفاته
التعطيل في اللغة : مأخوذ من العطل الذي هو الخلو والفراغ والترك : ومنه :
قول الله تعالى {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ} {الحج - ٤٥}
أي تركها أهلها وأهملوا ورودها : ومنه :
جيد عاطل : أي خال من الزينة ،
وفي الاصطلاح : هو تخلية الله من صفاته :
أي نفي صفاته سبحانه وإنكار قيامها بذاته جل شأنه ،
أقسام التعطيل :
من أهل العلم من قسم التعطيل إلى أربعة أقسام :
القسم الأول : إنكار الأسماء والصفات كمذهب جهم ،
القسم الثاني : إنكار الصفات وإثبات الأسماء كطريقة أهل الاعتزال ،
القسم الثالث : إثبات الأسماء وبعض الصفات كمذهب الكلابية والأشاعرة ،
القسم الرابع : وصف الله بسلب النقيضين وهو مذهب الباطنية الملاحدة الذين قالوا : لا موجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت ،
ولابن القيم : رحمه الله ، تقسيم آخر ينظر فيه إلى لفظ التعطيل نظرة شمولية لا تقتصر على توحيد الأسماء والصفات بل تشمل التعطيل في أنواع التوحيد كلها : قال : رحمه الله ،
التعطيل ثلاثة أقسام :
الأول : تعطيل المصنوع من صانعه : كتعطيل الفلاسفة الذين زعموا قدم هذه المخلوقات وأنها تتصرف بطبيعتها : وكتعطيل الدهرية القائلين : {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} {الجاثية - ٢٤}
وتعطيل الشيوعين القائلين لا إله والحياة مادة ،
الثاني : تعطيل الصانع من كماله المقدس بتعطيله من أسمائه وصفاته : كتعطيل الجهمية ،
الثالث : تعطيل حق معاملته بترك عبادته كفعل الكافرين أو عبادة غيره معه كفعل المشركين ،
ويتضح مما سبق أنه تناول توحيد الربوبية والأسماء والصفات والألوهية في تقسيمه :
رحمه الله ،
حكم التعطيل :
أما حكم التعطيل فقد يكون ناقضاً لأصل التوحيد أو لكماله : أي أنه قد يكون كفراً : وقد يكون دون ذلك : فإن كان تكذيباً فهو كفر : وإن كان تأويلاً فيجري فيه حكم التأويل : ومن التعطيل ما هو شرٌ من الشرك : قال ابن القيم : رحمه الله ، والتعطيل شرٌ من الشرك : فإن المعطل جاحد للذات أو لكمالها وهو جحد لحقيقة الألوهية والمشرك مقر بالله لكن عبد معه غيره : فهو خير من المعطل للذات والصفات ،
ومن العلماء من كفر المعطلة فيقول : من شبَّه الله بشيء من خلقه فقد كفر : ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر : فليس ما وصف الله به نفسه ورسوله تشبيه ،
الثالث : التحريف : تحريف الكلام إمالته عن المعنى المتبادر منه إلى معنى آخر لا يدل عليه باللفظ ،
التحريف : لغة : هو التغيير والإمالة : وقيل : تحريف الكلام : العدول به عن وجهته ،
وفي الاصطلاح : هو تغيير النص لفظاً أو معنى : وبعضهم يقول : تغيير ألفاظ الأسماء والصفات :
أو تغيير معانيها ،
أقسامه وأمثلته : التحريف قسمان :
الأول :تحريف اللفظ : كمحاولة بعض المبتدعة قراءة : قول الله تعالى {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} {النساء - ١٦٤} بنصب لفظ الجلالة : وذلك لنفي صفة الكلام عن الله سبحانه وجعل الكلام لموسى : ويروى أن جهمياً طلب من أبي عمرو بن العلاء أحد القراء أن يقرأ : قول الله تعالى {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} {النساء - ١٦٤} بنصب لفظ الجلالة فقال له : هبني فعلت ذلك فما تصنع : بقول الله تعالى {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} {الأعراف - ١٤٣} فبهت الجهمي ،
الثاني : تحريف المعنى : وهو إبقاء اللفظ كما كان وصرف معناه عن المراد به : مثل تأويل الاستواء بالاستيلاء : واليد بالنعمة : كتأويلات الأشاعرة الذين ساروا في تأويلاتهم عبر طريقين ،
الأول : تأويل الصفات التي ينفونها بصفة يثبتونها : كتأويل الرضا بالإرادة ،
الثاني : تأويل الصفات التي ينفونها ببعض المخلوقات من النعم أو العقوبات : كتأويل الرضا بالثواب أو الجنة : والغضب بالعقاب أو النار :